المراهق.. كيف ينتبه له العالم؟

يمر المراهق بمرحلة فارقة في حياته، مرحلة تشكل نقطة تحول حاسمة بين الطفولة والبلوغ، حيث تتداخل فيها التغيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية. في هذا الوقت، يكون المراهق في حالة بحث مستمر عن ذاته وهويته، ويسعى لأن يُعترف به من قبل الآخرين، خاصة من قِبل العالم المحيط به. لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن للمراهق أن ينتبه له العالم، وكيف يفرض وجوده ويُسمع صوته في مجتمع يميل أحياناً إلى تجاهل قضاياه أو التقليل من أهميتها؟

أهمية المراهقة في بناء الشخصية

المراهقة ليست مجرد فترة عمرية، بل هي مرحلة حيوية في تكوين شخصية الإنسان، وتشكيل منظوره للعالم. خلال هذه الفترة، يمر المراهق بتغيرات فسيولوجية تجعل من جسده وعقله مركبة معقدة تتطلب دعماً واهتماماً خاصاً. ففي هذه المرحلة تبدأ القدرات العقلية بالنمو السريع، مما يجعل المراهق أكثر وعياً واهتماماً بقضايا اجتماعية وثقافية وفكرية تتجاوز نطاق الأسرة والمدرسة.

هذا الوعي الجديد يولد عند المراهق حاجة ملحة لأن يُسمع، وأن يشعر بأنه جزء فاعل من المجتمع. ويبرز هذا الشعور في سلوكياته اليومية، حيث يسعى للتعبير عن نفسه من خلال المواقف المختلفة، سواء عبر الفن، أو الرياضة، أو النشاطات الاجتماعية، أو حتى عبر وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت منصات مركزية لتشكيل الهويات والتواصل.

التحديات التي تواجه المراهق في لفت انتباه العالم

رغم أهمية هذه المرحلة، إلا أن المراهق يواجه العديد من التحديات التي تحول دون انتباه العالم له بالشكل الصحيح. من أبرز هذه التحديات:

1. النظرة النمطية للمراهق

غالباً ما يُنظر إلى المراهق على أنه شخص متمرد، غير ناضج، أو يعاني من اضطرابات نفسية وعاطفية. هذه النظرة تقلل من أهمية آراءه وتجارب حياته، وتجعل الكثير من المؤسسات والمجتمعات لا تعير له اهتماماً كافياً. في المقابل، يزداد الإحساس بالعزلة والرفض، مما يدفع المراهق أحياناً إلى سلوكيات احتجاجية أو انطوائية.

2. نقص الحوار والتواصل الفعّال

تعاني العديد من المجتمعات والعائلات من فجوة كبيرة في التواصل مع المراهقين. إذ تفتقد البيئات المحيطة طرقاً فعالة للاستماع إلى همومهم وآرائهم، أو عدم إيمان كافٍ بقدرتهم على المشاركة في صنع القرار. هذا النقص يولد شعوراً بالاغتراب، ويضع المراهق في حالة من التمرد أو الانسحاب.

3. التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي

بينما توفر وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً كبيرة للمراهقين للتعبير عن أنفسهم والتواصل مع الآخرين، إلا أن هذه المنصات تحمل في طياتها مخاطر كبيرة. تتعلق هذه المخاطر بالتعرض للتنمر الإلكتروني، أو الشعور بالمقارنة السلبية مع الآخرين، أو الوقوع في فخ المحتوى غير المناسب الذي قد يشوه صورة الذات ويُبعده عن التركيز على أهدافه الحقيقية.

كيف ينتبه العالم للمراهقين بشكل فعّال؟

لكي ينتبه العالم إلى المراهقين فعلاً، لا بد من خلق بيئة تفاعلية تدعم مشاركتهم وتضمن لهم مساحة حقيقية للتعبير والابتكار. وفيما يلي أهم المحاور التي تساعد على تحقيق ذلك:

1. تعزيز دور الأسرة والمدرسة في الدعم والتوجيه

الأسرة هي الحاضنة الأولى للمراهق، وتلعب دوراً محورياً في بناء ثقته بنفسه، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي. يجب أن تتحول العلاقة بين الوالدين والمراهق إلى علاقة حوار مفتوح مبنية على الاحترام والاهتمام الحقيقي، بعيداً عن الحكم المسبق أو فرض الآراء.

كذلك، تُعد المدرسة البيئة الأساسية التي يتلقى فيها المراهق المعرفة، لكنها أيضاً يجب أن تكون منصة لإشراكه في الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تعزز شعوره بالانتماء والمسؤولية. من الضروري أن تضم مناهج التعليم برامج تهدف إلى تطوير مهارات التواصل، والتفكير النقدي، والتعبير عن الذات.

2. توفير فرص المشاركة المجتمعية

تعد المشاركة في العمل التطوعي والأنشطة المجتمعية من أكثر الطرق التي تساعد المراهق على اكتساب الخبرات والمهارات الاجتماعية. إذ يشعر المراهق حين يشارك في مشروعات تهدف إلى تحسين المجتمع بأنه جزء من شيء أكبر منه، ويزيد ذلك من إحساسه بقيمته وفاعليته.

تتنوع فرص المشاركة بين الجمعيات الأهلية، الفرق الرياضية، النوادي الفنية، والمبادرات الشبابية. من المهم أن تتاح له الفرصة لتقديم أفكار جديدة والمساهمة في اتخاذ القرارات داخل هذه المنظمات.

3. استغلال التكنولوجيا بشكل إيجابي

على الرغم من المخاطر التي قد تحملها وسائل التواصل، إلا أنها تشكل فرصة ثمينة للمراهق في عالم متصل. يمكن توجيه استخدام هذه الوسائل لتكون منصة لنشر الإبداع، والتعليم، وتكوين الشبكات الاجتماعية البناءة.

بعض المبادرات الناجحة تركز على تدريب المراهقين على استخدام التكنولوجيا في مجالات البرمجة، الإعلام الرقمي، والتسويق الإلكتروني، مما يفتح أمامهم آفاقاً مهنية جديدة ويجعل صوتهم مسموعاً على نطاق أوسع.

4. دعم الصحة النفسية والعاطفية

لا يمكن تجاهل أهمية الصحة النفسية في حياة المراهق، إذ تلعب دوراً أساسياً في قدرة المراهق على التعامل مع ضغوط الحياة والتغيرات التي يمر بها. يجب توفير خدمات دعم نفسي مهنية متاحة وموثوقة، تشمل الاستشارات، ورش العمل، وبرامج التوعية.

الاهتمام بهذه الجوانب يعزز من قدرة المراهق على التعبير عن مشاعره ومخاوفه، ويجنب الكثير من المشاكل السلوكية والاجتماعية التي قد تنجم عن الإهمال.

5. الاعتراف بإنجازات المراهق وتقديرها

الاعتراف بجهود المراهق وإنجازاته في المجالات المختلفة يرفع من ثقته بنفسه ويشجعه على الاستمرار. يمكن أن يكون هذا الاعتراف عبر الجوائز، الشهادات، أو حتى التقدير العلني في المجتمع أو المدرسة.

كما أن دعم الإعلام لتسليط الضوء على قصص نجاح شباب في هذا العمر يعزز من مكانتهم ويبرز دورهم الإيجابي في التنمية المجتمعية.

أثر انتباه العالم للمراهقين على مستقبل المجتمعات

الاهتمام الحقيقي بالمراهقين وتقديرهم يعكس رؤية حضارية للمجتمع، فالمراهق هو المحرك الأساسي لأي تطور مستدام. فهو يملك طاقات وأفكاراً جديدة يمكنها أن تغير الواقع وتفتح آفاقاً واعدة في مجالات متعددة.

عندما يُعطى المراهق المكانة التي يستحقها، فإنه يتحول إلى مواطن مسؤول، قادر على المشاركة بفعالية في بناء وطنه ومجتمعه. كما أن تعزيز ثقته بنفسه يقيه من الانحراف والضياع، ويساعده على تحقيق إنجازات ملموسة تعود بالنفع على الجميع.

جدول يوضح الفروقات بين المراهق الذي يحظى بالاهتمام والمراهق المهمل

هذا الجدول يوضح بشكل ملموس مدى تأثير الاهتمام العالمي بالمراهقين على جوانب حياتهم المختلفة، وكيف يمكن أن يتغير مصيرهم بناءً على مدى تلقيهم للدعم والرعاية.

الخاتمة

الاهتمام بالمراهقين ليس رفاهية أو خياراً، بل هو ضرورة حتمية لأي مجتمع يرغب في التنمية المستدامة والتقدم الحقيقي. إن إعطاء المراهق المساحة المناسبة ليُعبر عن نفسه، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، وتنمية مهاراته، هي مفاتيح لنجاحه وتمكينه.

على العالم أن يدرك أن المراهق ليس مجرد مرحلة عمرية تمر، بل هو أساس الحاضر وبناة المستقبل. بالاهتمام به والاستماع له، يمكن تحويل هذه المرحلة إلى قصة نجاح ملهمة، تثمر شباباً واعين قادرين على مواجهة تحديات الحياة وصنع الفارق في مجتمعاتهم.

المصادر والمراجع

• عبد الله، ناصر. “علم النفس التنموي: مراحل النمو في الطفولة والمراهقة.” دار النهضة العربية، 2018.

• د. محمد العوضي، “التربية النفسية والاجتماعية للمراهقين”، مجلة التربية والتنمية، 2021.